ذات يوم رأى سكان أورشليم موكباً كبيراً فريداً، قادماً نحو المدينة، جماعة من الناس يسيرون في زحام شديد، يُلوّحون بأغصان في أيديهم، وثيابهم يلقونها على الأرض تحت أقدام راكب الآتان، ويعلو بالمدينة صوتهم، قائلين: " أُوصَنَّا.. مُبَارَكْ الآتي باسم الرّب" (مت8:21،9) ومازال كل يوم يزداد عدد الذين يؤمنون ويعترفون بالمسيح، ويُجلجل صوتهم في العالم قائلين: " أُوصَنّا في الأعَالي ".
ويذكر الكتاب المقدس أنَّ المسيح عندما دخل أورشليم ارتجّت المدينة، وكان أكثر الناس يتساءلون: " من هذا؟ " (مت10:21)، وما تزال المدن حتى اليوم ترتج.. والعقول ترتج.. العالم كله يرتج ويقول: من هذا؟عن هذا " المَلك الفريد " تنبأ زكريا النبيّ قائلاً: " اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ، هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ، وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ " (زك9:9).
ويتحدّث إشعياء النبيّ عن عدله فيقول " يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ وَيُمِيتُ الْمُنَافِـقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ " (إش4:11).
أمّا سليمان الحكيم فقد تنبأ عن سجود الملوك له، إذ قال: " وَيَسْجُدُ لَـهُ كُلُّ الْمُلُوكِ، كُـلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ " (مز11:72).
لقد مَلَكَ يسوع رغم خوف هيرودس واضطراب أورشليم معه، عندما جاء المجوس يسألونه: " أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ" (مت2:2)، مَلَكَ القدوس رغم سخريات الكتبة والفريسيين الذين أرادوا الاستهزاء به فكتبوا عبارة: " هَذَا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ الْيَهُودِ "، وعلَّقوها فوق رأسه (مت37:27)، أمَّا مشورتهم الرديئة، ومؤامراتهم الشريرة وتدابيرهم المُهلكة، فقد هبطت إلى أعماق الهاوية، وبقى يسوع ملكاً على جبل قدسه، أتعرفون لماذا؟
لأنَّه جاء ليملك على قلوب المؤمنين لا بالقوة بل بالحُب، وقلوب البشر وأفكارهم لا تُراقب، ولا يمكن لجنود أشرار أن يسدوا أبوابها.. كما نادى المسيح بالروح لا المادة، بالسمائيّ لا الأرضيّ، فبتجسّد المسيح ظهرت تعاليم إلهية، قادت الناس إلى حياة روحية واجتماعية سامية، فامتزجت التعاليم الدينية بالمبادئ الأخلاقية والأدبية.. وأخذت من المزيج رحيقاً حلواً استعذبته شعوب الأرض قاطبة.
وهل نُنكر أنَّ المسيح لم يقم مملكته بسيوف وجيوش؟ فهو لم يُجبر أحداً على اعتناق مبادئه وتعاليمه، ولم يسفك دماء أو يقهر ممالك.. بل سفك دمه الثمين على عود الصليب، فأي ملك هذا الذي لم يذل البشر أو يستعبدهم، بل احتمل ما كان مزمعاً أن يحل عليهم؟!!
إنَّ مُلك المسيح على إسرائيل كما يقول القديس أُغسطينوس، لم يكن بقصد نوال جزية، ولا بتقديم سيوف في أيدي الجنود، ولا لهزيمة أعدائه في حرب علنية، لكنّه في ممارسة سلطانه الملوكيّ على طبيعتهم الداخلية وتدبير اهتماماتهم الأبدية.
ولو نظرنا إلى قادة الأُمم لوجدنا أنَّهم يُقامون من البشر ملوكاً ورؤساء، أمَّا المسيح فلم يأخذ سلطانه من أحد، بل أخذه ميراثاً من أبيه " ِسْالْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثاً لَكَ وَأَقَاصيَ الأَرْضِ مُلْكاً لَكَ " (مز8:2).
كما أنَّ ملوك الأرض كانوا ولا يزالون يدعون أنفسهم بألقاب العظمة، فملك الفرس كان يدعو نفسه (أخا الشمس) وملك مصر (ابن الشمس)، وقد زعم حكام ما بين النهرين أنهم أخذوا سلطتهم من (إنليل Enlil)، رئيس مجمع الآلهة السومْرية، لكي يُلقون الرعب والفزع في قلوب الناس، أمَّا ملك الملوك فحاشا أن يتّخذ لنفسه لقباً من الألقاب الوثنية، وعندما اقتضت الضرورة اختار أن يصف نفسه بلقب يُعبّر عن صفاته الروحية ألا وهو: " الوديع المتواضع " (زك9:9).
ولهذا عندما داخل المسيح أورشليم، لم يركب مركبة تجرها الخيول أو الأسرى، أو تُحمل أمامه علامات الظفر كما كان يفعل ملوك الأرض، بل اختار أن يركب جحشاً صغيراً، وأن يُنادي أمامه الأطفال وهم يحملون في أيديهم أغصان الزيتون قائلين: " أُوصَنَّا لاِبْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ ".
والحق إنَّ يوم دخول المسيح أورشليم، هو أعظم بُشرى لتتويج أعظم ملك على أعظم مملكة، فملكنا ليس ظالماً بل رحوماً، متواضعاً لا متكبراً، حليماً لا قاسياً، وديعاً لا غضوباً، هو الذي خلقنا وهو الذي فدانا، ولهذا يجب أن نخضع له ونعمل بوصاياه، إن كنَّا نُريده أن يملك على قلوبنا.
أمَّا النفس التي لم يملك عليها ملك الملوك، هى نفس بائسة وسقيمة، ولابد أن تتملك عليها الأهواء والشهوات، وتسكنها الأبالسة والحيات أولاد الأفاعيّ، وكما أنَّ البيت الخالي من سكانه يمتليء بالأتربة، ويُغطي العنكبوت جوانبه، وتغطيه ظلمات حالكة.. هكذا أيضاً النفس التي لا يسكنها الله، تمتليء بتراب الشهوات وتُعشعش أفكار الشر في رأسها، ويُُغطيها ظلام الخطية..
وإنَّ كانت الأرض التي لا يُفلّحها فلاح تمتليء بالأشواك، والسفينة التي بلا ربّان تتلاطم في الأمواج وتغرق في لُجج البحار، فإنَّ النفس التي لا يقودها يسوع، تجرحها أشواك الخطية، وتخبطها أمواج الخطية.
من كتاب لقدس ابونا الراهب القمص كاراس المحرقى
ويتحدّث إشعياء النبيّ عن عدله فيقول " يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ وَيُمِيتُ الْمُنَافِـقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ " (إش4:11).
أمّا سليمان الحكيم فقد تنبأ عن سجود الملوك له، إذ قال: " وَيَسْجُدُ لَـهُ كُلُّ الْمُلُوكِ، كُـلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ " (مز11:72).
لقد مَلَكَ يسوع رغم خوف هيرودس واضطراب أورشليم معه، عندما جاء المجوس يسألونه: " أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ" (مت2:2)، مَلَكَ القدوس رغم سخريات الكتبة والفريسيين الذين أرادوا الاستهزاء به فكتبوا عبارة: " هَذَا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ الْيَهُودِ "، وعلَّقوها فوق رأسه (مت37:27)، أمَّا مشورتهم الرديئة، ومؤامراتهم الشريرة وتدابيرهم المُهلكة، فقد هبطت إلى أعماق الهاوية، وبقى يسوع ملكاً على جبل قدسه، أتعرفون لماذا؟
لأنَّه جاء ليملك على قلوب المؤمنين لا بالقوة بل بالحُب، وقلوب البشر وأفكارهم لا تُراقب، ولا يمكن لجنود أشرار أن يسدوا أبوابها.. كما نادى المسيح بالروح لا المادة، بالسمائيّ لا الأرضيّ، فبتجسّد المسيح ظهرت تعاليم إلهية، قادت الناس إلى حياة روحية واجتماعية سامية، فامتزجت التعاليم الدينية بالمبادئ الأخلاقية والأدبية.. وأخذت من المزيج رحيقاً حلواً استعذبته شعوب الأرض قاطبة.
وهل نُنكر أنَّ المسيح لم يقم مملكته بسيوف وجيوش؟ فهو لم يُجبر أحداً على اعتناق مبادئه وتعاليمه، ولم يسفك دماء أو يقهر ممالك.. بل سفك دمه الثمين على عود الصليب، فأي ملك هذا الذي لم يذل البشر أو يستعبدهم، بل احتمل ما كان مزمعاً أن يحل عليهم؟!!
إنَّ مُلك المسيح على إسرائيل كما يقول القديس أُغسطينوس، لم يكن بقصد نوال جزية، ولا بتقديم سيوف في أيدي الجنود، ولا لهزيمة أعدائه في حرب علنية، لكنّه في ممارسة سلطانه الملوكيّ على طبيعتهم الداخلية وتدبير اهتماماتهم الأبدية.
ولو نظرنا إلى قادة الأُمم لوجدنا أنَّهم يُقامون من البشر ملوكاً ورؤساء، أمَّا المسيح فلم يأخذ سلطانه من أحد، بل أخذه ميراثاً من أبيه " ِسْالْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثاً لَكَ وَأَقَاصيَ الأَرْضِ مُلْكاً لَكَ " (مز8:2).
كما أنَّ ملوك الأرض كانوا ولا يزالون يدعون أنفسهم بألقاب العظمة، فملك الفرس كان يدعو نفسه (أخا الشمس) وملك مصر (ابن الشمس)، وقد زعم حكام ما بين النهرين أنهم أخذوا سلطتهم من (إنليل Enlil)، رئيس مجمع الآلهة السومْرية، لكي يُلقون الرعب والفزع في قلوب الناس، أمَّا ملك الملوك فحاشا أن يتّخذ لنفسه لقباً من الألقاب الوثنية، وعندما اقتضت الضرورة اختار أن يصف نفسه بلقب يُعبّر عن صفاته الروحية ألا وهو: " الوديع المتواضع " (زك9:9).
ولهذا عندما داخل المسيح أورشليم، لم يركب مركبة تجرها الخيول أو الأسرى، أو تُحمل أمامه علامات الظفر كما كان يفعل ملوك الأرض، بل اختار أن يركب جحشاً صغيراً، وأن يُنادي أمامه الأطفال وهم يحملون في أيديهم أغصان الزيتون قائلين: " أُوصَنَّا لاِبْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ ".
والحق إنَّ يوم دخول المسيح أورشليم، هو أعظم بُشرى لتتويج أعظم ملك على أعظم مملكة، فملكنا ليس ظالماً بل رحوماً، متواضعاً لا متكبراً، حليماً لا قاسياً، وديعاً لا غضوباً، هو الذي خلقنا وهو الذي فدانا، ولهذا يجب أن نخضع له ونعمل بوصاياه، إن كنَّا نُريده أن يملك على قلوبنا.
أمَّا النفس التي لم يملك عليها ملك الملوك، هى نفس بائسة وسقيمة، ولابد أن تتملك عليها الأهواء والشهوات، وتسكنها الأبالسة والحيات أولاد الأفاعيّ، وكما أنَّ البيت الخالي من سكانه يمتليء بالأتربة، ويُغطي العنكبوت جوانبه، وتغطيه ظلمات حالكة.. هكذا أيضاً النفس التي لا يسكنها الله، تمتليء بتراب الشهوات وتُعشعش أفكار الشر في رأسها، ويُُغطيها ظلام الخطية..
وإنَّ كانت الأرض التي لا يُفلّحها فلاح تمتليء بالأشواك، والسفينة التي بلا ربّان تتلاطم في الأمواج وتغرق في لُجج البحار، فإنَّ النفس التي لا يقودها يسوع، تجرحها أشواك الخطية، وتخبطها أمواج الخطية.
من كتاب لقدس ابونا الراهب القمص كاراس المحرقى